الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
{وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون} اختلف الناس في هذه الآية؛ فقال أبو ثور: هي محكمة، والمتعة لكل مطلقة؛ وكذلك قال الزهري. قال الزهري: حتى للأمة يطلقها زوجها. وكذلك قال سعيد بن جبير: لكل مطلقة متعة وهو أحد قولي الشافعي لهذه الآية. وقال مالك: لكل مطلقه - اثنتين أو واحدة بنى بها أم لا؛ سمى لها صداقا أم لا - المتعة، إلا المطلقة قبل البناء وقد سمى لها صداقا فحسبها نصفه، ولو لم يكن سمى لها كان لها المتعة أقل من صداق المثل أو أكثر، وليس لهذه المتعة حد؛ حكاه عنه ابن القاسم. وقال ابن القاسم في إرخاء الستور من المدونة، قال: جعل الله تعالى المتعة لكل مطلقة بهذه الآية، ثم استثنى في الآية الأخرى التي قد فرض لها ولم يدخل بها فأخرجها من المتعة، وزعم ابن زيد أنها نسختها. قال ابن عطية: ففر ابن القاسم من لفظ النسخ إلى لفظ الاستثناء والاستثناء لا يتجه في هذا الموضع، بل هو نسخ محض كما قال زيد بن أسلم، وإذا التزم ابن القاسم أن قوله{وللمطلقات{ يعم كل مطلقة لزمه القول بالنسخ ولا بد. وقال عطاء بن أبي رباح وغيره: هذه الآية في الثيبات اللواتي قد جومعن، إذ تقدم في غير هذه الآية ذكر المتعة للواتي لم يدخل بهن؛ فهذا قول بأن التي قد فرض لها قبل المسيس لم تدخل قط في العموم. فهذا يجيء على أن قوله تعالى {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون} قوله تعالى{ألم تر{ هذه رؤية القلب بمعنى ألم تعلم. والمعنى عند سيبويه تنبه إلى أمر الذين. ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين. وقرأ أبو عبدالرحمن السلمي {ألم تر{ بجزم الراء، وحذفت الهمزة حذفا من غير إلقاء حركة لأن الأصل ألم ترء. وقصة هؤلاء أنهم قوم من بني إسرائيل وقع فيهم الوباء، وكانوا بقرية يقال لها (داوردان) فخرجوا منها هاربين فنزلوا واديا فأماتهم الله تعالى. قال ابن عباس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، فأماتهم الله تعالى؛ فمر بهم نبي فدعا الله تعالى فأحياهم. وقيل: إنهم ماتوا ثمانية أيام. وقيل: سبعة، والله أعلم. قال الحسن: أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة لهم، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم. وقيل: إنما فعل ذلك بهم معجزة لنبي من أنبيائهم، قيل: كان اسمه شمعون. وحكى النقاش أنهم فروا من الحمى. وقيل: إنهم فروا من الجهاد ولما أمرهم الله به على لسان حزقيل النبي عليه السلام، فخافوا الموت بالقتل في الجهاد فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك، فأماتهم الله ليعرفهم أنه لا ينجيهم من الموت شيء، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد بقوله تعالى قوله تعالى{وهم ألوف{ قال الجمهور: هي جمع ألف. قال بعضهم: كانوا ستمائة ألف. وقيل: كانوا ثمانين ألفا. ابن عباس: أربعين ألفا. أبو مالك: ثلاثين ألفا. السدي: سبعة وثلاثين ألفا. وقيل: سبعين ألفا؛ قاله عطاء بن أبي رباح. وعن ابن عباس أيضا أربعين ألفا، وثمانية آلاف؛ رواه عنه ابن جريج. وعنه أيضا ثمانية آلاف، وعنه أيضا أربعة آلاف، وقيل: ثلاثة آلاف. والصحيح أنهم زادوا على عشرة آلاف لقوله تعالى{وهم ألوف{ وهو جمع الكثرة، ولا يقال في عشرة فما دونها ألوف. وقال ابن زيد في لفظة ألوف: إنما معناها وهم مؤتلفون، أي لم تخرجهم فرقة قومهم ولا فتنة بينهم إنما كانوا مؤتلفين، فخالفت هذه الفرقة فخرجت فرارا من الموت وابتغاء الحياة بزعمهم، فأماتهم الله في منجاهم بزعمهم. فألوف على هذا جمع الف؛ مثل جالس وجلوس. قال ابن العربي: أماتهم الله تعالى مدة عقوبة لهم ثم أحياهم؛ وميتة العقوبة بعدها حياة، وميتة الأجل لا حياة بعدها. قال مجاهد: إنهم لما أحيوا رجعوا إلى قومهم يعرفون أنهم كانوا موتى ولكن سحنة الموت على وجوههم، ولا يلبس أحد منهم ثوبا إلا عاد كفنا دسما حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم. ابن جريج عن ابن عباس: وبقيت الرائحة على ذلك السبط من بني إسرائيل إلى اليوم. وروي أنهم كانوا بواسط العراق. ويقال: إنهم أحيوا بعد أن أنتنوا؛ فتلك الرائحة موجودة في نسلهم إلى اليوم. قوله تعالى{حذر الموت{ أي لحذر الموت؛ فهو نصب لأنه مفعول له. و{موتوا{ أمر تكوين، ولا يبعد أن يقال: نودوا وقيل لهم: موتوا. وقد حكي أن ملكين صاحا بهم: موتوا فماتوا؛ فالمعنى قال لهم الله بواسطة الملكين {موتوا{، والله أعلم. أصح هذه الأقوال وأبينها وأشهرها أنهم خرجوا فرارا من الوباء؛ رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خرجوا فرارا من الطاعون فماتوا، فدعا الله نبي من الأنبياء أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم الله. وقال عمرو بن دينار في هذه الآية: وقع الطاعون في قريتهم فخرج أناس وبقي أناس، ومن خرج أكثر ممن بقي، قال: فنجا الذين خرجوا ومات الذين أقاموا؛ فلما كانت الثانية خرجوا بأجمعهم إلا قليلا فأماتهم الله ودوابهم، ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم وقد توالدت ذريتهم. وقال الحسن: خرجوا حذارا من الطاعون فأماتهم الله ودوابهم في ساعة واحدة، وهم أربعون ألفا. قلت: وعلى هذا تترتب الأحكام في هذه الآية. فروى الأئمة واللفظ للبخاري من قلت: وهذا هو الصحيح في الباب، وهو مقتضى قول الرسول عليه السلام، وعليه عمل أصحابه البررة الكرام رضي الله عنهم، وقد قال عمر لأبي عبيدة محتجا عليه لما قال له: أفرارا من قدر الله فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله. المعنى: أي لا محيص للإنسان عما قدره الله له وعليه، ولكن أمرنا الله تعالى بالتحرز من المخاوف والمهلكات، وباستفراغ الوسع في التوقي من المكروهات. ثم قال له: أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله عز وجل. فرجع عمر من موضعه ذلك إلى المدينة. قال الكيا الطبري: ولا نعلم خلافا أن الكفار أو قطاع الطريق إذا قصدوا بلدة ضعيفة لا طاقة لأهلها بالقاصدين فلهم أن يتنحوا من بين أيديهم، وإن كانت الآجال المقدرة لا تزيد ولا تنقص. وقد قيل: إنما نهي عن الفرار منه لأن الكائن بالموضع الذي الوباء فيه لعله قد أخذ بحظ منه، لاشتراك أهل ذلك الموضوع في سبب ذلك المرض العام، فلا فائدة لفراره، بل يضيف إلى ما أصابه من مبادئ الوباء مشقات السفر، فتتضاعف الآلام ويكثر الضرر فيهلكون بكل طريق ويطرحون في كل فجوة ومضيق، ولذلك يقال: ما فر أحد من الوباء فسلم؛ حكاه ابن المدائني. ويكفي في ذلك موعظة قوله تعالى{ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا{ ولعله إن فر ونجا يقول: إنما نجوت من أجل خروجي عنه فيسوء اعتقاده. وبالجملة فالفرار منه ممنوع لما ذكرناه، ولما فيه من تخلية البلاد: ولا تخلو من مستضعفين يصعب عليهم الخروج منها، ولا يتأتى لهم ذلك، ويتأذون بخلو البلاد من المياسير الذين كانوا أركانا للبلاد ومعونة للمستضعفين. وإذا كان الوباء بأرض فلا يقدم عليه أحد أخذا بالحزم والحذر والتحرز من مواضع الضرر، ودفعا للأوهام المشوشة لنفس الإنسان؛ وفي الدخول عليه الهلاك، وذلك لا يجوز في حكم الله تعالى، فإن صيانة النفس عن المكروه واجبة، وقد يخاف عليه من سوء الاعتقاد بأن يقول: لولا دخولي في هذا المكان لما نزل بي مكروه. فهذه فائدة النهي عن دخول أرض بها الطاعون أو الخروج منها، والله أعلم. وقد قال ابن مسعود: الطاعون فتنة على المقيم والفار؛ فأما الفار فيقول: فبفراري نجوت، وأما المقيم فيقول: أقمت فمت؛ وإلى نحو هذا أشار مالك حين سئل عن كراهة النظر إلى المجذوم فقال: ما سمعت فيه بكراهة، وما أرى ما جاء من النهي عن ذلك إلا خيفة أن يفزعه أو يخيفه شيء يقع في نفسه؛ في فضل الصبر على الطاعون وبيانه. الطاعون وزنه فاعول من الطعن، غير أنه لما عدل به عن أصله وضع دالا على الموت العام بالوباء؛ قاله الجوهري. قال أبو عمر: لم يبلغني أن أحدا من حملة العلم فر من الطاعون إلا ما ذكره ابن المدائني أن علي بن زيد بن جدعان هرب من الطاعون إلى السيالة فكان يجمع كل جمعة ويرجع؛ فكان إذا جمع صاحوا به: فر من الطاعون فمات بالسيالة. قال: وهرب عمرو بن عبيد ورباط بن محمد إلى الرباطية فقال إبراهيم بن علي الفقيمي في ذلك: وذكر أبو حاتم عن الأصمعي قال: هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حمارا له ومضى بأهله نحو سفوان؛ فسمع حاديا يحدو خلفه: أو يأتي الحتف على مقدار قد يصبح الله أمام الساري وذكر المدائني قال: وقع الطاعون بمصر في ولاية عبدالعزيز بن مروان فخرج هاربا منه فنزل قرية من قرى الصعيد يقال لها (1) {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم} هذا خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بالقتال في سبيل الله في قول الجمهور. وهو الذي ينوى به أن تكون كلمة الله هي العليا. وسبل الله كثيرة فهي عامة في كل سبيل؛ قال الله تعالى {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون} قوله تعالى{من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا{ لما أمر الله تعالى بالجهاد والقتال على الحق - إذ ليس شيء من الشريعة إلا ويجوز القتال عليه وعنه، وأعظمها دين الإسلام كما قال مالك - حرض على الإنفاق في ذلك. فدخل في هذا الخبر المقاتل في سبيل الله، فإنه يقرض به رجاء الثواب كما فعل عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة. و{ من{ رفع بالابتداء، و{ذا{ خبره، و{الذي{ نعت لذا، وإن شئت بدل. ولما نزلت هذه الآية بادر أبو الدحداح إلى التصدق بماله ابتغاء ثواب ربه. بيني من الحائط بالوداد فقد مضى قرضا إلى التناد
أقرضته الله على اعتمادي بالطوع لا من ولا ارتداد
إلا رجاء الضعف في المعاد فارتحلي بالنفس والأولاد
والبر لا شك فخير زاد قدمه المرء إلى المعاد قالت أم الدحداح: ربح بيعك بارك الله لك فيما اشتريت، ثم أجابته أم الدحداح وأنشأت تقول:
قد متع الله عيالي ومنح بالعجوة السوداء والزهو البلح
والعبد يسعى وله ما قد كدح طول الليالي وعليه ما اجترح ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كم من عذق رداح ودار فياح لأبي الدحداح) قال ابن العربي{انقسم الخلق بحكم الخالق وحكمته وقدرته ومشيئته وقضائه وقدره حين سمعوا هذه الآية أقساما، فتفرقوا فرقا ثلاثة: الفرقة الأولى الرَّذلى قالوا: إن رب محمد محتاج فقير إلينا ونحن أغنياء، فهذه جهالة لا تخفى على ذي لب، فرد الله عليهم بقوله قوله تعالى{قرضا حسنا{ القرض: اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء وأقرض فلان فلانا أي أعطاه ما يتجازاه قال الشاعر وهو لبيد: والقرض بالكسر لغة فيه حكاها الكسائي. واستقرضت من فلان أي طلبت منه القرض فأقرضني. واقترضت منه أي أخذت القرض. وقال الزجاج: القرض في اللغة البلاء الحسن والبلاء السيئ قال أمية: وقال آخر: وقال الكسائي: القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيئ. وأصل الكلمة القطع؛ ومنه المقراض. وأقرضته أي قطعت له من مالي قطعة يجازي عليها. وانقرض القوم: انقطع أثرهم وهلكوا. والقرض ههنا: اسم، ولولاه لقال ههنا إقراضا. واستدعاء القرض في هذه الآية إنما هي تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه، والله هو الغني الحميد؛ لكنه تعالى شبه عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو به ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء. حسب ما يأتي بيانه في {براءة{ إن شاء الله تعالى. وقيل المراد بالآية الحث على الصدقة وإنفاق المال على الفقراء والمحتاجين والتوسعة عليهم، وفي سبيل الله بنصرة ا الدين. وكنى الله سبحانه عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن الحاجات ترغيبا في الصدقة، كما كنى عن المريض والجائع والعطشان بنفسه المقدسة عن النقائص والآلام. يجب على المستقرض رد القرض؛ لأن الله تعالى بين أن من أنفق في سبيل الله لا يضيع عند الله تعالى بل يرد الثواب قطعا وأبهم الجزاء. وفي الخبر: ثواب القرض عظيم، لأن فيه توسعة على المسلم وتفريجا عنه. قرض الآدمي للواحد واحد، أي يرد عليه مثل ما أقرضه. وأجمع أهل العلم على أن استقراض الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب وكل ما له مثل من سائر الأطعمة جائز. وأجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف - كما قال ابن مسعود - أو حبة واحدة. ويجوز أن يرد أفضل مما يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه؛ لأن ذلك من باب المعروف؛ استدلالا ولا يجوز أن يهدي من استقرض هدية للمقرض، ولا يحل للمقرض قبولها إلا أن يكون عادتهما ذلك؛ بهذا جاءت السنة: خرج ابن ماجة القرض يكون من المال - وقد بينا حكمه - ويكون من العرض؛ وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته قال اللهم إني قد تصدقت بعِرضي على عبادك). وروي عن ابن عمر: أقرض من عرضك ليوم فقرك؛ يعني من سبك فلا تأخذ منه حقا ولا تقم عليه حدا حتى تأتي يوم القيامة موفر الأجر. وقال أبو حنيفة: لا يجوز التصدق بالعِرض لأنه حق الله تعالى، وروي عن مالك. ابن العربي: وهذا فاسد، قوله تعالى{حسنا{ قال الواقدي: محتسبا طيبة به نفسه. وقال عمرو بن عثمان الصدفي: لا يمن به ولا يؤذي. وقال سهل بن عبدالله: لا يعتقد في قرضه عوضا. قوله تعالى{فيضاعفه له أضعافا كثيرة{ قرأ عاصم وغيره {فيضاعفه{ بالألف ونصب الفاء. وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتشديد في العين مع سقوط الألف ونصب الفاء. وقرأ ابن كثير وأبو جعفر وشيبة بالتشديد ورفع الفاء. وقرأ الآخرون بالألف ورفع الفاء. فمن رفعه نسقه على قوله{يقرض{ وقيل: على تقدير هو يضاعفه. ومن نصب فجوابا للاستفهام بالفاء. وقيل: بإضمار {أن{ والتشديد والتخفيف لغتان. دليل التشديد {أضعافا كثيرة{ لأن التشديد للتكثير. وقال الحسن والسدي: لا نعلم هذا التضعيف إلا لله وحده، لقوله تعالى قوله تعالى{والله يقبض ويبسط{ هذا عام في كل شيء فهو القابض الباسط، وقد أتينا عليهما في (شرح الأسماء الحسنى في الكتاب الأسنى). {وإليه ترجعون{ وعيد فيجازي كلا بعمله. {ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين} ذكر في التحريض على القتال قصة أخرى جرت في بني إسرائيل. والملأ: الأشراف من الناس، كأنهم ممتلئون شرفا. وقال الزجاج: سموا بذلك لأنهم ممتلئون مما يحتاجون إليه منهم. والملأ في هذه الآية القوم؛ لأن المعنى يقتضيه. والملأ: اسم للجمع كالقوم والرهط. والملأ أيضا: حسن الخلق، ومنه الحديث قوله تعالى{من بعد موسى{ أي من بعد وفاته. {إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله{ قيل: هو شمويل بن بال بن علقمة ويعرف بابن العجوز. ويقال فيه: شمعون، قاله السدي: وإنما قيل: ابن العجوز لأن أمه كانت عجوزا فسألت الله الولد وقد كبرت وعقمت فوهبه الله تعالى لها. ويقال له: سمعون لأنها دعت الله أن يرزقها الولد فسمع دعاءها فولدت غلاما فسمته {سمعون{، تقول: سمع الله دعائي، والسين تصير شينا بلغة العبرانية، وهو من ولد يعقوب. وقال مقاتل: هو من نسل هارون عليه السلام. وقال قتادة: هو يوشع بن نون. قال ابن عطية: وهذا ضعيف لأن مدة داود هي من بعد موسى بقرون من الناس، ويوشع هو فتى موسى. وذكر المحاسبي أن اسمه إسماعيل، والله أعلم. وهذه الآية هي خبر عن قوم من بني إسرائيل نالتهم ذلة وغلبة عدو فطلبوا الإذن في الجهاد وأن يؤمروا به، فلما أمروا كعَّ أكثرهم وصبر الأقل فنصرهم الله. وفي الخبر أن هؤلاء المذكورين هم الذين أميتوا ثم أحيوا، والله أعلم. قوله تعالى{نقاتل{ بالنون والجزم وقراءة جمهور القراء على جواب الأمر. وقرأ الضحاك وابن أبي عبلة بالياء ورفع الفعل، فهو في موضع الصفة للملك. قوله تعالى{قال هل عسيتم{ و{عسيتم{ بالفتح والكسر لغتان، وبالثانية قرأ نافع، والباقون بالأولى وهي الأشهر. قال أبو حاتم: وليس للكسر وجه، وبه قرأ الحسن وطلحة. قال مكي في اسم الفاعل: عس، فهذا يدل على كسر السين في الماضي. والفتح في السين هي اللغة الفاشية. قال أبو علي: ووجه الكسر قول العرب: هو عسٍ بذلك، مثل حرٍ وشجٍ، وقد جاء فعل وفعل في نحو نعم ونعم، وكذلك عَسَيت وعَسِيت، فإن أسند الفعل إلى ظاهر فقياس عسيتم أن يقال عَسِيَ زيد، مثل رضي زيد، فإن قيل فهو القياس وإن لم يقل، فسائغ أن يؤخذ باللغتين فتستعمل إحداهما موضع الأخرى. ومعنى هذه المقالة: هل أنتم قريب من التولي والفرار؟. {إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا{ قال الزجاج{ألا تقاتلوا{ في موضع نصب، أي هل عسيتم مقاتلة. {قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله{ قال الأخفش{أن{ زائدة. وقال الفراء: هو محمول على المعنى، أي وما منعنا، كما تقول: ما لك ألا تصلي ؟ أي ما منعك. وقيل: المعنى وأي شيء لنا في ألا نقاتل في سبيل الله قال النحاس: وهذا أجودها. {وأن{ في موضع نصب. {وقد أخرجنا من ديارنا{ تعليل، وكذلك {وأبنائنا{ أي بسبب ذرارينا. قوله تعالى{فلما كتب عليهم القتال{ أي فرض عليهم. {القتال تولوا{ أخبر تعالى أنه لما فرض عليهم القتال ورأوا الحقيقة ورجعت أفكارهم إلى مباشرة الحرب وأن نفوسهم، ربما قد تذهب {تولوا{ أي اضطربت نياتهم وفترت عزائمهم، وهذا شأن الأمم المتنعمة المائلة إلى الدعة تتمنى الحرب أوقات الأنفة فإذا حضرت الحرب كعت وانقادت لطبعها. وعن هذا المعنى {وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم} قوله تعالى{وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا{ أي أجابكم إلى ما سألتم، وكان طالوت سقاء. وقيل: دباغا. وقيل: مكاريا، وكان عالما فلذلك رفعه الله على ما يأتي: وكان من سبط بنيامين ولم يكن من سبط النبوة ولا من سبط الملك، وكانت النبوة في بني لاوى، والملك في سبط يهوذا فلذلك أنكروا. قال وهب بن منبه: لما قال الملأ من بني إسرائيل لشمويل بن بال ما قالوا، سأل الله تعالى أن يبعث إليهم ملكا ويدله عليه؛ فقال الله تعالى له: انظر إلى القرن الذي فيه الدهن في بيتك فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن، فهو ملك بني إسرائيل فأدهن رأسه منه وملكه عليهم. قال: وكان طالوت دباغا فخرج في ابتغاء دابة أضلها، فقصد شمويل عسى أن يدعو له في أمر الدابة أو يجد عنده فرجا، فنش الدهن على ما زعموا، قال: فقام إليه شمويل فأخذه ودهن منه رأس طالوت، وقال له: أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله تعالى بتقديمه، ثم قال لبني إسرائيل{إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا{. وطالوت وجالوت اسمان أعجميان معربان؛ ولذلك، لم ينصرفا، وكذلك داود، والجمع طواليت وجواليت ودوايد، ولو سميت رجلا بطاوس وراقود لصرفت وإن كان أعجميين. والفرق بين هذا والأول أنك تقول: الطاوس، فتدخل الألف واللام فيمكن في العربية ولا يمكن هذا في ذاك. قوله تعالى{أنى يكون له الملك علينا{ أي كيف يملكنا ونحن أحق بالملك منه. جروا على سنتهم في تعنيتهم الأنبياء وحيدهم عن أمر الله تعالى فقالوا{أنى{ أي من أي جهة، فـ {أنى{ في موضع نصب على الظرف، ونحن من سبط الملوك وهو ليس كذلك وهو فقير، فتركوا السبب الأقوى وهو قدر الله تعالى وقضاؤه السابق حتى احتج عليهم نبيهم بقوله{إن الله اصطفاه{ أي اختاره وهو الحجة القاطعة، وبين لهم مع ذلك تعليل اصطفاء طالوت، وهو بسطته في العلم الذي هو مِلاك الإنسان، والجسم الذي هو معينه في الحرب وعدته عند اللقاء؛ فتضمنت بيان صفة الإمام وأحوال الإمامة، وإنها مستحقة بالعلم والدين والقوة لا بالنسب، فلا حظ للنسب فيها مع العلم وفضائل النفس وأنها متقدمة عليه؛ لأن الله تعالى أخبر أنه اختاره عليهم لعلمه وقوته، وإن كانوا أشرف منتسبا. وقد مضى في أول السورة من ذكر الإمامة وشروطها ما يكفي ويغني. وهذه الآية أصل فيها. قال ابن عباس: كان طالوت يومئذ أعلم رجل في بني إسرائيل وأجمله وأتمه؛ وزيادة الجسم مما يهيب العدو. وقيل: سمى طالوت لطوله. وقيل: زيادة الجسم كانت بكثرة معاني الخير والشجاعة، ولم يرد عظم الجسم؛ ألم تر إلى قول الشاعر: ويعجبك الطرير فتبتليه فخلف ظنك الرجل الطرير
وقد عظم البعير بغير لب فلم يستغن بالعظم البعير قلت: ومن هذا المعنى قوله تعالى{والله يؤتي ملكه من يشاء{ ذهب بعض المتأولين إلى أن هذا من قول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: هو من قول شمويل وهو الأظهر. قال لهم ذلك لما علم من تعنتهم وجدالهم في الحجج، فأراد إن يتمم كلامه بالقطعي الذي لا اعتراض عليه فقال الله تعالى{والله يؤتي ملكه من يشاء{. وإضافة ملك الدنيا إلى الله تعالى إضافة مملوك إلى ملك. ثم قال لهم على جهة التغبيط والتنبيه من غير سؤال منهم{إن آية ملكه{. ويحتمل أن يكونوا سألوه الدلالة على صدقه في قوله{إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا{. قال ابن عطية: والأول أظهر بمساق الآية، والثاني أشبه بأخلاق بني إسرائيل الذميمة، وإليه ذهب الطبري. {وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} قوله تعالى{وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت{ أي إتيان التابوت، والتابوت كان من شأنه فيما ذكر أنه أنزله الله على آدم عليه السلام، فكان عنده إلى أن وصل إلى يعقوب عليه السلام، فكان في بني إسرائيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت غلبهم عليه العمالقة: جالوت وأصحابه في قول السدي، وسلبوا التابوت منهم. قلت: وهذا أدل دليله على أن العصيان سبب الخذلان، وهذا بين. قال النحاس: والآية في التابوت على ما روي أنه كان يسمع فيه أنين، فإذا سمعوا ذلك ساروا لحربهم،، وإذا هدأ الأنين لم يسيروا ولم يسر التابوت. وقيل: كانوا يضعونه في مأزق الحرب فلا تزال تغلب حتى عصوا فغلبوا وأخذ منهم التابوت وذل أمرهم؛ فلما رأوا آية الاصطلام وذهاب الذكر، أنف بعضهم وتكلموا في أمرهم حتى اجتمع ملؤهم أن قالوا لنبي الوقت: أبعث لنا ملكا؛ فلما قال لهم: ملككم طالوت راجعوه فيه كما أخبر الله عنهم؛ فلما قطعهم بالحجة سألوه البينة على ذلك، في قول الطبري. فلما سألوا نبيهم البينة على ما قال، دعا ربه فنزل بالقوم الذين أخذوا التابوت داء بسببه، على خلاف في ذلك. قيل: وضعوه في كنيسة لهم فيها أصنام فكانت الأصنام تصبح منكوسة. وقيل: وضعوه في بيت أصنامهم تحت الصنم الكبير فأصبحوا وهو فوق الصنم، فأخذوه وشدوه إلى رجليه فأصبحوا وقد قطعت يدا الصنم ورجلاه وألقيت تحت التابوت؛ فأخذوه وجملوه في قرية قوم فأصاب أولئك القوم أوجاع في أعناقهم. وقيل: جعلوه في مخرأة قوم فكانوا يصيبهم الباسور؛ فلما عظم بلاؤهم كيفما كان، قالوا: ما هذا إلا لهذا التابوت فلنرده إلى بني إسرائيل فوضعوه على عجلة بين ثورين وأرسلوهما في الأرض نحو بلاد بني إسرائيل، وبعث الله ملائكة تسوق البقرتين حتى دخلتا على بني إسرائيل، وهم في أمر طالوت فأيقنوا بالنصر؛ وهذا هو حمل الملائكة للتابوت في هذه الرواية. وروي أن الملائكة جاءت به تحمله وكان يوشع بن نون قد جعله في البرية، فروي أنهم رأوا التابوت في الهواء حتى نزل بينهم؛ قال الربيع بن خيثم. وقال وهب بن منبه: كان قدر التابوت نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين. الكلبي: وكان من عود شمسار الذي يتخذ منه الأمشاط. وقرأ زيد بن ثابت {التابوه{ وهي لغته، والناس على قراءته بالتاء وقد تقدم. وروي عنه {التيبوت{ ذكره النحاس. وقرأ حميد بن قيس {يحمله{ بالياء. قوله تعالى{فيه سكينة من ربكم وبقية{ اختلف الناس في السكينة والبقية؛ فالسكينة فعيلة مأخوذة من السكون والوقار والطمأنينة. فقوله {فيه سكينة{ أي هو سبب سكون قلوبكم فيما اختلفتم فيه من أمر طالوت؛ ونظيره قلت: وفي صحيح مسلم قوله تعالى{وبقية{ اختلف في البقية على أقوال، فقيل: عصا موسى وعصا هارون ورضاض الألواح؛ لأنها انكسرت حين ألقاها موسى، قال ابن عباس. زاد عكرمة:، التوراة. وقال أبو صالح: البقية: عصا موسى وثيابه وثياب هارون ولوحان من التوراة. وقال عطية بن سعد: وهي عصا موسى وعصا هارون وثيابهما ورضاض الألواح. وقاله الثوري: من الناس من يقول البقية قفيزا من في طست من ذهب وعصا موسى وعمامة هارون ورضاض الألواح. ومنهم من يقول: العصا والنعلان. ومعنى هذا ما روي من أن موسى لما جاء قومه بالألواح فوجدهم قد عبدوا العجل، ألقى الألواح غضبا فتكسرت، فنزع منها ما كان صحيحا وأخذ رضاض ما تكسر فجعله في التابوت. وقال الضحاك: البقية: الجهاد وقتال الأعداء. قال ابن عطية: أي الأمر بذلك في التابوت، إما أنه مكتوب فيه، وإما أن نفس الإتيان به هو كالأمر بذلك، وأسند الترك إلى آل موسى وآل هارون من حيث كان الأمر مندرجا من قوم إلى قوم وكلهم آل موسى وآل هارون. وآل الرجل قرابته. وقد تقدم. {فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} قوله تعالى{فلما فصل طالوت بالجنود{ {فصل{ معناه خرج بهم. فصلت الشيء فانفصل، أي قطعته فانقطع. قال وهب بن منبه: فلما فصل طالوت قالوا له أن المياه لا تحملنا فادع الله أن يجري لنا نهرا فقال لهم طالوت: إن الله مبتليكم بنهر. وكان عدد الجنود - في قول السدي - ثمانين ألفا. وقال وهب: لم يتخلف عنه إلا ذو عذر من صغر أو كبر أو مرض. والابتلاء الاختبار. والنهَر والنهْر لغتان. واشتقاقه من السعة، ومنه النهار وقد تقدم. قال قتادة: النهر الذي ابتلاهم الله به هو نهر بين الأردن وفلسطين. وقرأ الجمهور {بنهر{ بفتح الهاء. وقرأ مجاهد وحميد الأعرج {بنهر{ بإسكان الهاء. ومعنى هذا الابتلاء أنه اختبار لهم، فمن ظهرت طاعته في ترك الماء علم أنه مطيع فيما عدا ذلك، ومن غلبته شهوته في الماء وعصى الأمر فهو في العصيان في الشدائد أحرى، فروي أنهم أتوا النهر وقد نالهم عطش وهو في غاية العذوبة والحسن، فلذلك رخص للمطيعين في الغرفة ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الارتفاع وليكسروا نزاع النفس في هذه الحال وبين أن الغرفة كافة ضرر العطش عند الحزمة الصابرين على شظف العيش الذين همهم في غير الرفاهية، كما قال عروة: قلت: ومن هذا المعنى قلت: ما أحسن هذا لولا ما فيه من التحريف في التأويل والخروج عن الظاهر، لكن معناه صحيح من غير هذا. استدل من قال أن طالوت كان نبيا بقوله{إن الله مبتليكم{ وأن الله أوحى إليه بذلك وألهمه، وجعله الإلهام ابتلاء من الله لهم. ومن قال لم يكن نبيا قال: أخبره نبيهم شمويل بالوحي حين أخبر طالوت قومه بهذا، وإنما وقع هذا الابتلاء ليتميز الصادق من الكاذب. وقد ذهب قوم إلى أن عبدالله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله علي وسلم إنما أمر أصحابه بإيقاد النار والدخول فيها تجربة لطاعتهم، لكنه حمل مزاحه على تخشين الأمر الذي كلفهم، وسيأتي بيانه في {النساء{ إن شاء الله تعالى. قوله تعالى{فمن شرب منه فليس مني{ شرب قيل معناه كرع. ومعنى {فليس مني{ أي ليس من أصحابي في هذه الحرب، ولم يخرجهم بذلك عن الإيمان. قال السدي: كانوا ثمانين ألفا، ولا محالة أنه كان فيهم المؤمن والمنافق والمجد والكسلان، وفي الحديث هذا مهيع في كلام العرب؛ يقول الرجل لابنه إذا سلك غير أسلوبه: لست مني. قوله تعالى{ومن لم يطعمه فإنه مني{ يقال: طعمت الشيء أي ذقته. وأطعمته الماء أي أذقته، ولم يقل ومن لم يشربه لأن من عادة العرب إذا كرروا شيئا أن يكرروه بلفظ آخر، ولغة القرآن أفصح اللغات، فلا عبرة بقدح من يقول: لا يقال طعمت الماء. استدل علماؤنا بهذا على القول بسد الذرائع؛ لأن أدنى الذوق يدخل في لفظ الطعم، فإذا وقع النهي عن الطعم فلا سبيل إلى وقوع الشرب ممن يتجنب الطعم؛ ولهذه المبالغة لم يأت الكلام {ومن لم يشرب منه{. لما قال تعالى{ومن لم يطعمه{ دل على أن الماء طعام وإذا كان طعاما كان قوتا لبقائه واقتيات الأبدان به فوجب أن يجري فيه الربا، قال ابن العربي: وهو الصحيح من المذهب. قال أبو عمر قال مالك: لا بأس ببيع الماء على الشط بالماء متفاضلا وإلى أجل، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد بن الحسن: هو مما يكال ويوزن، فعلى هذا القول لا يجوز عنده التفاضل، وذلك عنده فيه ربا؛ لأن علته في الربا الكيل والوزن. وقال الشافعي: لا يجوز بيع الماء متفاضلا ولا يجوز فيه الأجل، وعلته في الربا أن يكون مأكولا جنسا. قال ابن العربي قال أبو حنيفة: من قال إن شرب عبدي فلان من الفرات فهو حر فلا يعتق إلا أن يكرع فيه، والكرع أن يشرب الرجل بفيه من النهر، فإن شرب بيده أو اغترف بالإناء منه لم يعتق؛ لأن الله سبحانه فرق بين الكرع في النهر وبين الشرب باليد. قال: وهذا فاسد؛ لأن شرب الماء يطلق على كل هيئة وصفة في لسان العرب من غرف باليد أو كرع بالفم انطلاقا واحدا، فإذا وجد الشرب المحلوف عليه لغة وحقيقة حنث، فاعلمه. قلت: قول أبي حنيفة أصح، فإن أهل اللغة فرقوا بينهما كما فرق الكتاب والسنة. قال الجوهري وغيره: وكرع في الماء كروعا إذا تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بإناء، وفيه لغة أخرى (2) قوله تعالى{إلا من اغترف غرفة بيده{ الاغتراف: الأخذ من الشيء باليد وبآلة، ومنه المغرفة، والغَرف مثل الاغتراف. وقرئ {غرفة{ بفتح الغين وهي مصدر، ولم يقل اغترافة لأن معنى الغرف والاغتراف واحد. والغرفة المرة الواحدة. وقرئ {غرفة{ بضم الغين وهي الشيء المغترف. وقال بعض المفسرين: الغَرفة بالكف الواحد والغُرفة بالكفين. وقال بعضهم: كلاهما لغتان بمعنى واحد. وقال علي رضي الله عنه: الأكف أنظف الآنية، ومنه قول الحسن: الدليف: المشي الرويد. قلت: ومن أراد الحلال الصرف في هذه الأزمان دون شبهة ولا امتراء ولا ارتياب فليشرب بكفيه الماء من العيون والأنهار المسخرة بالجريان آناء الليل وآناء النهار، مبتغيا بذلك من الله كسب الحسنات ووضع الأوزار واللحوق بالأئمة الأبرار، قوله تعالى{فشربوا منه إلا قليلا منهم{ قال ابن عباس: شربوا على قدر يقينهم فشرب الكفار شرب الهيم وشرب العاصون دون ذلك، وانصرف من القوم ستة وسبعون ألفا وبقي بعض المؤمنين لم يشرب شيئا وأخذ بعضهم الغرفة، فأما من شرب فلم يرو، بل برح به العطش، وأما من ترك الماء فحسنت حاله وكان أجلد ممن أخذ الغرفة. قوله تعالى{فلما جاوزه هو{ الهاء تعود على النهر، و{هو{ توكيد. {والذين{ في موضع رفع عطفا على المضمر في {جاوزه{ يقال: جاوزت المكان مجاوزة وجوازا. والمجاز في الكلام ما جاز في الاستعمال ونفذ واستمر على وجهه. قال ابن عباس والسدي: جاز معه في النهر أربعة آلاف رجل فيهم من شرب، فلما نظروا إلى جالوت وجنوده وكانوا مائة ألف كلهم شاكون في السلاح رجع منهم ثلاثة آلاف وستمائة وبضعة وثمانون؛ فعلى هذا القول قال المؤمنون الموقنون بالبعث والرجوع إلى الله تعالى عند ذلك وهم عدة أهل بدر{كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله{. وأكثر المفسرين: على أنه إنما جاز معه النهر من لم يشرب جملة، فقال بعضهم: كيف نطيق العدو مع كثرتهم فقال أولو العزم منهم{كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله{. قال البراء بن عازب: كنا نتحدث أن عدة أهل بدر كعدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا - وفي رواية: وثلاثة عشر رجلا - وما جاز معه إلا مؤمن. قوله تعالى{قال الذين يظنون{ والظن هنا بمعنى اليقين، ويجوز أن يكون شكا لا علما، أي قال الذين يتوهمون أنهم يقتلون مع طالوت فيلقون الله شهداء، فوقع الشك في القتل. قوله تعالى{كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة{ الفئة: الجماعة من الناس والقطعة منهم من فأوت رأسه بالسيف وفأيته أي قطعته. وفي قولهم رضي الله عنهم{كم من فئة قليلة{ الآية تحريض على القتال واستشعار للصبر واقتداء بمن صدق ربه. قلت: هكذا يجب علينا نحن أن نفعل ؟ لكن الأعمال القبيحة والنيات الفاسدة منعت من ذلك حتى ينكسر العدد الكبير منا قدام اليسير من العدو كما شاهدناه غير مرة، وذلك بما كسبت أيدينا {ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} قوله{برزوا{ صاروا في البَراز وهو الأفيح من الأرض المتسع. وكان جالوت أمير العمالقة وملكهم ظله ميل. ويقال: إن البر من من نسله، وكان فيما روي في ثلاثمائة ألف فارس. وقال عكرمة: في تسعين ألفا، ولما رأى المؤمنون كثرة عدوهم تضرعوا إلى ربهم؛ وهذا كقوله {فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين} قوله تعالى{فهزموهم بإذن الله{ أي فأنزل الله عليهم النصر {فهزموهم{: فكسروهم. والهزم: الكسر ومنه سقاء متهزم، أي انثنى بعضه على بعض مع الجفاف، ومنه ما قيل في زمزم: إنها هزمة جبريل أي هزمها جبريل برجله فخرج الماء. والهزم: ما تكسر من يابس الحطب. قوله تعالى{وقتل داود جالوت{ وذلك أن طالوت الملك اختاره من بين قومه لقتال جالوت، وكان رجلا قصيرا مسقاما مصفارا أصغر أزرق، وكان جالوت من أشد الناس وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده، وكان قتل جالوت وهو رأس العمالقة على يده. وهو داود، بن إيشى - بكسر الهمزة، ويقال: داود بن زكريا بن رشوى، وكان من سبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وكان من أهل بيت المقدس جمع له بين النبوة والملك بعد أن كان راعيا وكان أصغر إخوته وكان يرعى غنما، وكان له سبعة إخوة في أصحاب طالوت؛ فلما حضرت الحرب قال في نفسه: لأذهبن إلى رؤية هذه الحرب، فلما نهض في طريقه مر بحجر فناداه: يا داود خذني فبي تقتل جالوت، ثم ناداه حجر آخر ثم آخر فأخذها وجعلها في مخلاته وسار، فخرج جالوت يطلب مبارزا فكع الناس عنه حتى قال طالوت: من يبرز إليه ويقتله فأنا أزوجه ابنتي وأحكمه في مالي؛ فجاء داود عليه السلام فقال: أنا أبرز إليه وأقتله، فازدراه طالوت حين رآه لصغير سنه وقصره فرده، وكان داود أزرق قصيرا؛ ثم نادى ثانية وثالثة فخرج داود، فقال طالوت له: هل جربت نفسك بشيء ؟ قال نعم؛ قال بماذا ؟ قال: وقع ذئب في غنمي فضربته ثم أخذت رأسه فقطعته من جسده. قال طالوت: الذئب ضعيف، هل جربت نفسك في غيره ؟ قال: نعم، دخل الأسد في غنمي فضربته ثم أخذت بلحييه فشققتهما؛ أفترى هذا أشد من الأسد ؟ قال لا؛ وكان عند طالوت درع لا تستوي إلا على من يقتل جالوت، فأخبره بها وألقاها عليه فاستوت؛ فقال طالوت: فأركب فرسي وخذ سلاحي ففعل؛ فلما مشى قليلا رجع فقال الناس: جبن الفتى فقال داود: إن الله إن لم يقتله لي ويعني عليه لم ينفعني هذا الفرس ولا هذا السلاح، ولكني أحب أن أقاتله على عادتي. قال: وكان داود من أرمى الناس بالمقلاع، فنزل وأخذ مخلاته فتقلدها وأخذ مقلاعه وخرج إلى جالوت، وهو شاك في سلاحه على رأسه بيضة فيها ثلاثمائة رطل، فيما ذكر الماوردي وغيره؛ فقال له جالوت: أنت يا فتى تخرج إلي قال نعم؛ قال: هكذا كما تخرج إلى الكلب قال نعم، وأنت أهون. قال: لأطعمن لحمك اليوم للطير والسباع؛ ثم تدانيا وقصد جالوت أن يأخذ داود بيده استخفافا به، فأدخل داود يده إلى الحجارة، فروي أنها التأمت فصارت حجرا واحدا، فأخذه فوضعه في المقلاع وسمى الله، وأداره ورماه فأصاب به رأس جالوت فقتله، وحز رأسه وجعله في مخلاته، وأختلط الناس وحمله أصحاب طالوت فكانت الهزيمة. وقد قيل: إنما أصاب بالحجر من البيضة موضع أنفه، وقيل: عينه وخرج من قفاه، وأصاب جماعة من عسكره فقتلهم. وقيل: إن الحجر تفتت حتى أصاب كل من في العسكر شيء منه؛ وكان كالقبضة التي رمى بها النبي صلى الله عليه وسلم هوازن يوم حنين، والله أعلم. وقد أكثر الناس في قصص هذه الآي، وقد ذكرت لك منها المقصود والله المحمود. قلت: وفي قول طالوت: (من يبرز له ويقتله فإني أزوجه ابنتي وأحكمه في مالي) معناه ثابت في شرعنا، وهو أن يقول الإمام: من جاء برأس فله كذا، أو أسير فله كذا على ما يأتي بيانه في {الأنفال{ إن شاء الله تعالى. وفيه دليل على أن المبارزة لا تكون إلا بإذن الإمام؛ كما يقوله أحمد وإسحاق وغيرهما. واختلف فيه عن الأوزاعي فحكي عنه أنه قال: لا يحمل أحد إلا بإذن إمامه. وحكي عنه أنه قال: لا بأس به، فإن نهى الإمام عن البراز فلا يبارز أحد إلا بإذنه. وأباحت طائفة البراز ولم تذكر بإذن الإمام ولا بغير إذنه؛ هذا قول مالك. سئل مالك عن الرجل يقول بين الصفين: من يبارز ؟ فقال: ذلك إلى نيته إن كان يريد بذلك الله فأرجو ألا يكون به بأس، قد كان يفعل ذلك فيما مضى. وقال الشافعي: لا بأس بالمبارزة. قال ابن المنذر: المبارزة بإذن الإمام حسن، وليس على من بارز بغير إذن الإمام حرج، وليس ذلك بمكروه لأني لا أعلم خبرا يمنع منه. قوله تعالى{وآتاه الله الملك والحكمة{ قال السدي: أتاه الله ملك، طالوت ونبوة شمعون. والذي علمه هو صنعة الدروع ومنطق الطير وغير ذلك من أنواع ما علمه صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: هو أن الله أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة والفلك ورأسها عند صومعة داود؛ فكان لا يحدث في الهواء حدث إلا صلصلت السلسلة فيعلم داود ما حدث، ولا يمسها ذو عاهة إلا برئ؛ وكانت علامة دخول قومه في الدين أن يمسوها بأيديهم ثم يمسحون أكفهم على صدورهم، وكانوا يتحاكمون إليها بعد داود عليه السلام إلى أن رفعت. قوله تعالى{مما يشاء{ أي مما شاء، وقد يوضع المستقبل موضع الماضي، وقد تقدم. قوله تعالى{ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض{ كذا قراءة الجماعة، إلا نافعا فإنه قرأ {دفاع{ ويجوز أن يكون مصدرا لفعل كما يقال: حسبت الشيء حسابا، وآب إيابا، ولقيته لقاء؛ ومثله كتبه كتابا؛ ومنه واختلف العلماء في الناس المدفوع بهم الفساد من هم ؟ فقيل: هم الأبدال وهم أربعون رجلا كلما مات واحد بدل الله آخر، فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم؛ اثنان وعشرون منهم بالشام وثمانية عشر بالعراق. ومهملات في الفلاة رتع صب عليكم العذاب الأوجع {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين} تلك: ابتداء {آيات الله{ خبره، وإن شئت كان بدلا والخبر {نتلوها عليك بالحق{. {وإنك لمن المرسلين{، خبر إن أي وإنك لمرسل. نبه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن هذه الآيات التي تقدم ذكرها لا يعلمها إلا نبي مرسل. {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد} قوله تعالى{تلك الرسل{ قال{تلك{ ولم يقل: ذلك مراعاة لتأنيث لفظ الجماعة، وهي رفع بالابتداء. و{الرسل{ نعته، وخبر الابتداء الجملة. وقيل: الرسل عطف بيان، و{فضلنا{ الخبر. وهذه آية مشكلة قلت: وأحسن من هذا قول من قال: إن المنع من التفضيل إنما هو من جهة النبوة التي هي خصلة واحدة لا تفاضل فيها، وإنما التفضيل في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات، وأما النبوة في نفسها فلا تتفاضل وإنما تتفاضل بأمور أخر زائدة عليها؛ ولذلك منهم رسل وأولو عزم، ومنهم من اتخذ خليلا، ومنهم من كلم الله، ورفع بعضهم درجات، قال الله تعالى قلت: وهذا قول حسن، فإنه جمع بين الآي والأحاديث من غير نسخ، والقول بتفضيل بعضهم على بعض إنما هو بما منح من الفضائل وأعطي من الوسائل، وقد أشار ابن عباس إلى هذا فقال: إن الله فضل محمدا على الأنبياء وعلى أهل السماء، فقالوا: بم يا ابن عباس فضله على أهل السماء ؟ فقال: إن الله تعالى قال قلت: ما اخترناه أولى إن شاء الله تعالى؛ فإن الله تعالى لما أخبر أنه فضل بعضهم على بعض جعل يبين بعض المتفاضلين ويذكر الأحوال التي فضلوا بها فقال قلت: وهكذا القول في الصحابة إن شاء الله تعالى، اشتركوا في الصحبة ثم تباينوا في الفضائل بما منحهم الله من المواهب والوسائل، فهم متفاضلون بتلك مع أن الكل شملتهم الصحبة والعدالة والثناء عليهم، وحسبك بقوله الحق قوله تعالى{منهم من كلم الله{ المكلم موسى عليه السلام، قوله تعالى{ورفع بعضهم درجات{ قال النحاس: بعضهم هنا على قول ابن عباس والشعبي ومجاهد محمد صلى الله عليه وسلم، قوله تعالى{وآتينا عيسى ابن مريم البينات{ وبينات عيسى هي إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وخلق الطير من الطين كما نص عليه في التنزيل. {وأيدناه{ قويناه. {بروح القدس{ جبريل عليه السلام، وقد تقدم. قوله تعالى{ولو شاء الله ما أقتتل الذين من بعدهم{ أي من بعد الرسل. وقيل: الضمير لموسى وعيسى، والاثنان جمع. وقيل: من بعد جميع الرسل، وهو ظاهر اللفظ. وقيل: إن القتال إنما وقع من الذين جاؤوا بعدهم وليس كذلك المعنى، بل المراد ما اقتتل الناس بعد كل نبي، وهذا كما تقول: اشتريت خيلا ثم بعتها، فجائز لك هذه العبارة وأنت إنما اشتريت فرسا وبعته ثم آخر وبعته ثم آخر وبعته، وكذلك هذه النوازل إنما اختلف الناس بعد كل نبي فمنهم من آمن ومنهم من كفر بغيا وحسدا وعلى حطام الدنيا، وذلك كله بقضاء وقدر وإرادة من الله تعالى، ولو شاء خلاف ذلك لكان ولكنه المستأثر بسر الحكمة في ذلك الفعل لما يريد. وكسرت النون من {ولكن اختلفوا{ لالتقاء الساكنين، ويجوز حذفها في غير القرآن، وأنشد سيبويه: {فمنهم من آمن ومنهم من كفر{ {من{ في موضع رفع بالابتداء والصفة
|